يوم الإثنين 27 أيار 2024، أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مخيم رفح، الأمر الذي أدى إلى استشهاد أكثر من 40 فلسطينيًا، فيما أصيب أكثر من 200 شخص بجروح.
فظاعة المجزرة التي استهدفت المدنيين والخيام البلاستيكية حرّكت الرأي العام العالمي الذي تضامن مع فلسطين بوجه الإجرام الإسرائيلي.
رد فعل تل أبيب
بعد الضجة التي أحدثها استهداف المدنيين في رفح، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الثلاثاء 28 أيار 2024 أن “الحادثة التي شهدتها رفح الليلة الماضية كانت خطأً كارثيًا”. وأضاف أن “غارة جوية أسفرت عن مقتل عشرات الفلسطينيين في رفح ولم يكن مقصودًا سقوط قتلى وجرحى من المدنيين”. وأكمل في خطابٍ أمام الكنيست كلامه قائلًا: “في رفح، أجلينا بالفعل نحو مليون ساكن غير مقاتل، وعلى الرغم من جهودنا القصوى لكيّ لا نؤذي غير المقاتلين، حدث للأسف شيء خطأ على نحو مأساوي… نحقق في الواقعة وسنتوصل إلى استنتاجات، لأن هذه سياستنا”.
(كلام نتنياهو كان هدفه الالتفاف على أي إجراء من محكمة دولية، لأن فتح تحقيق محلي يمنع تحرّك أي قضاء خارجي.)
أما المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجيش فقد حاول التملص مما حصل في رفح إذ أعلن أن الهجوم حصل “برؤوس حربية صغيرة تحتوي على 17 كيلوغرامًا من المتفجرات”، مشيرًا إلى أن تلك القنابل كانت “أصغر الذخائر التي يمكن لطائراتنا استخدامها”.
أراد المتحدث باسم جيش الاحتلال القول – من خلال ذِكر وزن المتفجرات القليل نسبيًا – أن “إسرائيل” لم تكن تنوي قتل المدنيين. لكن التدقيق يكشف العكس.
حقيقة ما حصل
عرضنا صور التفجير على خبير متفجرات دولي، طلب عدم كشف اسمه، في محاولة لمعرفة ما حصل في رفح تلك الليلة. وحدد الخبير نوعية السلاح المستعمل وكيفية اشتغاله وأهدافه، قائلًا الآتي:
“ما ذكره الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عن كمية المتفجرات في القنابل يتطابق مع الصور التي نُشرت من الموقع المستهدف. أي أن الاستهداف تم بقنابل تحوي كميات غير كبيرة من المتفجرات، مقارنة بغيرها من القنابل التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي. لكن هذا متعمّد لإيقاع أكبر عدد ممكن من الإصابات في صفوف الأشخاص المستهدفين. فالقنابل التي تحوي نسبة عالية من المتفجرات تهدف إلى التدمير، وهو ما لا يحتاجه الهجوم على خيام بلاستيكية. أما الذخائر التي تهدف إلى إصابة أكبر عدد ممكن من البشر بالشظايا، فتكون نسبة المتفجرات فيها أقل من تلك الموجودة في الذخائر التدميرية. فانفجار المواد المتفجرة داخل القنابل المشظّية يؤدي إلى إطلاق عدد كبير من الشظايا المعدنية التي تصيب الأفراد الموجودين في الموقع المستهدف. وفي حالة الخيام، لا توجد عوائق تحمي السكان من الشظايا.
في بعض الذخائر المشظيّة لا يتعدى وزن المتفجرات 20% من الوزن الإجمالي للذخيرة، والباقي يكون إما غلاف سميك محزّز من الداخل على شكل مربعات لتسهيل عملية التشظّي (والأمريكيون والبريطانيّون في العادة يعتمدون هذا التصميم كثيراً في القنابل العنقودية والقنابل الملقاة من الطائرات)، أو تكون ذخائر تحتوي على قطعٍ معدنية على شكل مربعات أو كرات مصفوفة داخل الذخيرة، على أن تكون المتفجرات في الوسط وتكون على تماس مباشر مع القطع المذكورة أو ضمن أنبوب معدني رقيق جدًا، وهو الأمر الذي نراه كثيرًا في قذائف المدفعية الألمانية القديمة.
وبحسب التقارير التي وصلت من المجزرة التي حصلت، فقد أدى الانفجار الى حالات بتر كثيرة بين الأفراد المستهدفين، وهو الأمر الناتج عن استخدام قنابل مشظّية بكميات قليلة من المتفجرات، فتخترق الشظايا الأجساد والأعضاء وتتسبب بحالات بتر أو تقطيع أعضاء”.
وأرجع الخبير لون النار التي تصاعدت عقب الانفجار، والذي بدا داكنًا بدرجة كبيرة، إلى “كمية الخيام البلاستيكية والكاوتشوك الموجود في مكان الاستهداف، وبالتالي، يُرجَّح أن اللون الداكن ناتج عن احتراق الخيام وغيرها وليس ناتجاً عن المواد الحارقة ضمن الذخائر. الذخائر الحارقة لا تسبب هذا الكم من البتر وتقطيع الأعضاء وتسبب اشتعالاً أكبر من الذي ظهر في رفح”.
الخلاصة
إذًا، محاولة جيش الاحتلال التخفيف من مسؤوليته عبر الحديث عن كمية صغيرة من المتفجرات ليس سوى تأكيد على أن الهدف كان قتل وإصابة أكبر عدد ممكن من الأشخاص في الموقع المستهدف، وهو موقع يعجّ بالنازحين المدنيين، ومن لم يستشهد منهم تعرّضت أعضاؤه للبتر.
هو إذًا هجوم هدفه ارتكاب مجزرة بحق المدنيين.