سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، جاهدًا في السنوات الماضية للتوصّل إلى اتّفاق تطبيع مع المملكة العربية السعودية. اتفاق كان من شأنه أن يدمج «إسرائيل» بشكل كبير في المنطقة، وأن يُشكّل مظلة عربية وإسلامية يتوسّع من خلالها العدّو ليصل التطبيع إلى دول شرق آسيا. الحلم الإسرائيلي أوقفته عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي. وعلى الرغم من عودة الحديث الأمريكي عن قبول سعودي بالتطبيع مع كيان الاحتلال، إلا أنّ ما كان يومًا ما حلمًا لنتنياهو، يرفضه الأخير حاليًا. فـ«اتفاق السلام مع السعودية ليس هو المهم في الوقت الحالي، فلا أحد يعقد اتفاقات سلام مع الضعفاء في الشرق الأوسط»، بحسب ما قال عضو «حزب الليكود»، ووزير الطاقة، إيلي كوهين (22-5-2024).
الأخير يريد القول إن «إسرائيل» ضعيفة، نتيجة بطوفان الأقصى والهجمات التي تعرضت لها منذ السابع من أكتوبر ومعها موازين القوى التي ظهرت في الإقليم، وبالتالي، فإن الراغبين بالتطبيع خفّت حماستهم له أو باتوا يطلبون ثمناً أكبر مقابله.
مضمون العرض الأمريكي
العرض الذي قدّمته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لنتنياهو وكبار المسؤولين في «إسرائيل»، عبر مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، تضمّن مجموعة نقاط خلاصتها وقف الحرب في غزة ولبنان مقابل التطبيع مع السعودية، وبناء «تحالف إقليمي ضدّ التهديدات الإيرانية»، وفقًا لما كشفته إذاعة الجيش الإسرائيلي في الـ21 من شهر مايو 2024. أتى هذا العرض في ظلّ اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المنتظرة في الخامس من نوفمبر المقبل، وبموازاة مع تحقيق تقدّم كبير في التوصّل إلى اتفاق نهائي على معاهدة دفاع مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.
أشار تقرير «إذاعة الجيش الإسرائيلي» إلى أنّ الصفقة المقترحة تتضمّن عددًا من البنود الرئيسية التي من شأنها أن تُغيّر موازين القوى في المنطقة:
أولًا، التطبيع مع السعودية، وهو ما يُعدّ خطوة استراتيجية كبيرة للغاية بالنسبة لـ«إسرائيل» في سعيها لتعزيز علاقاتها مع دول الخليج والتمهيد لتمدّدها إلى دول شرق آسيا الإسلامية.
ثانيًا، ستوفّر الولايات المتحدة ودول المنطقة غلافًا أمنيًا واسعًا لـ«إسرائيل» ضدّ التهديدات الإيرانية المحتملة، مما يعزّز موقف كيان الاحتلال الأمني في المنطقة ويعيد له شيئًا من الاستقرار الذي تنعّم به.
في المقابل، ستضطر «إسرائيل» إلى الالتزام بعدد من المطالب:
- إنهاء الحرب على غزة بموجب اتفاق شامل يتضمّن إطلاق سراح جميع الأسرى والمخطوفين الفلسطينيين؛
- إعلان العمل على «خلق أفق سياسي» لحل الدولتين، الأمر الذي من شأنه أن يكون خطوة صعبة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية المتطرفة الحالية؛
- الاتفاق على آلية لإدارة قطاع غزة من قبل سلطة فلسطينية مدنية بالتعاون مع دول المنطقة، وليس من خلال حكم عسكري أو سلطة تشارك فيها حركة حماس.
ولا بد من التذكير بأنّ الرياض تحدّثت عن ضرورة تقديم سلطات الاحتلال «ضمانات حقيقية لتنفيذ حلّ الدولتين» كشرط للتطبيع، وهو ما يتناقض مع ذِكر «إذاعة الجيش الإسرائيلي» أن ما يُطلب من «إسرائيل» فقط هو الإعلان عن أنها «ستعمل على خلق أفق سياسي لحل الدولتين»، الأمر الذي يُعدّ تنازلًا كبيرًا عن المطالب السعودية الأصلية.
الصفقة المقترحة مشغولة بعناية من أجل «إسرائيل». إن تحقّقت، فقد تؤدي إلى تغييرات جذرية في المنطقة. هي مقبولة سعوديًا، ومدعومة من الوزير عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، الذي أكّد أنّ الاتفاقية لا تتضمّن «إقامة دولة فلسطينية»، لا تريدها حكومة نتنياهو. على الرغم من ذلك، لا تبدو سلطات الاحتلال مُستعجلة لمدّ اليد للمملكة، ولن توافق على شروط تُظهرها بموقع الضعيف داخليًا. فهي ستنتظر اللحظة المناسبة لتجاوز صورة الضعيف التي تحاصرها اليوم، وبعد ذلك تنطلق لفرض شروطها على السلطة السعودية وغيرها من السلطات الراغبة بالتطبيع.