بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، نشرت «إسرائيل» نظامًا للتعرّف على الوجه في قطاع غزة. استُخدم النظام الالكتروني بدايةً للبحث عن الأسرى الإسرائيليين داخل القطاع، لكن سرعان ما حوّل جيش الاحتلال التقنية لمراقبة كلّ الفلسطينيين و«لاجتثاث أيّ شخص له علاقات بحماس أو الفصائل الأخرى»، بحسب زعم العدّو. لكن الصادم في الموضوع أنّ برنامجًا لشركة «غوغل» استخدم في تطوير هذا النظام، الأمر الذي أدّى إلى ردود فعل على الشركة الأمريكية.
ماذا نعرف عن الموضوع؟
يجمع نظام المراقبة الذي نشرته قوات الاحتلال في غزة للتعرّف على وجوه الفلسطينيين، بين تقنيات من شركة «كورسايت – Corsight» الإسرائيلية وتطبيق الصور من شركة «غوغل» لتمييز الوجوه. ونُقل عن ضبّاط إسرائيليين تحدّثوا عن الموضوع إنّ الجمع بين هذه التقنيات «مكّن إسرائيل من التقاط الوجوه من بين الحشود والتقاط لقطات من الطائرات بدون طيار». ووفقًا لتحقيق نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 27 مارس / آذار الماضي، وضعت قوات الاحتلال شبكة واسعة النطاق للتعرّف على الوجه في جميع أنحاء قطاع غزة. وعلى الرغم من المخاوف بشأن عدم دقة النظام في تحديد المُسلحين من بين المدنيين، إلا أنّ توجيهات قيادة قوات الاحتلال باعتقال الفلسطينيين كانت «واسعة النطاق بشكل متعمّد». وتمّ استجواب المعتقلين بوحشية لانتزاع أسماء المزيد من أفراد ينتمون إلى حماس لتوسيع قوائم المراقبة. وكان أحد ضحايا نظام المراقبة هذا، الشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة، الذي اعتُقل عند نقطة تفتيش في نوفمبر / تشرين الثاني، رغم كونه مدني، وأُطلق سراحه لاحقًا. اعترف الجنود الإسرائيليون أنّ احتجاز أبو توهة تمّ بواسطة تقنية التعرّف على الوجه، وقد حصل «خطأ» بذلك.
إساءة استخدام التكنولوجيا
الكشف عن نظام المراقبة السرّي في غزة، والذي يتجاوز نطاق عمله العمليات الإسرائيلية السابقة للتعرّف على الوجه في الضفة الغربية، أثار مخاوف جديدة بشأن انتشار أدوات المراقبة المتقدّمة وإساءة استخدامها ضدّ الشعب الفلسطيني. فجنود العدّو سيتركون نظامًا الكترونيًا يُحدّد لهم من يجب قتله ومن يجب اعتقاله ومن ليس هدفًا لهم، من دون التدقيق بالنتائج التي يُعطيها لهم النظام.
يُذكر أنّ كيان العدّو استخدم في السابق تقنية التعرّف على الوجه في الضفة الغربية والقدس الشرقية، لكن الجهود التكنولوجية التي يبذلها العدّو في غزة لها بُعد أكثر تقدّمًا باعتبارها «تطبيقًا للتكنولوجيا في الحرب».
«غوغل» شريكة الاحتلال
اعترف مسؤول إسرائيلي فضّل عدم الكشف عن اسمه لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأن خدمة الصور من «غوغل» أثبتت أنّها أكثر فعالية من التقنيات البديلة في تحديد الأفراد الذين يُزعم أنهم من مقاتلي حماس، وأضاف أن هذا سمح لسلطات الاحتلال بتجميع «قائمة اغتيالات» للفلسطينيين.
في السياق نفسه، نقل تحقيق نشره موقع «ذا انترسبت» الأمريكي في الخامس من أبريل / نيسان 2024، عن «مُدافعين عن حقوق الإنسان» أنّ استخدام كيان الاحتلال لبرنامج الصور من «غوغل» لتمكين الاستهداف العسكري للمدنيين «هو انتهاك لقوانين التكنولوجيا الخاصة التي تُحظّر استخدام تقنياتها لإحداث ضرر جسيم وفوري للناس». حاولت «ذا انترسبت» سؤال أحد المُتحدّثين باسم «غوغل» عن هذا التناقض الواضح، فرفض الغوص بالتفاصيل، مشيراً إلى أنّ «البرنامج يهدف إلى مساعدة المستخدمين على تنظيم الصور من خلال تجميع الوجوه المتشابهة، وليس التعرّف على أشخاص غير معروفين». م
العاملون في «غوغل» المشاركون في حملة «لا تكنولوجيا لكيان الفصل العنصري»، أدانوا ممارسات الشركة مُتهمينها بتمكين «التطهير العرقي والاحتلال والإبادة الجماعية» من خلال السماح باستخدام تقنياتها كسلاح ضد الفلسطينيين. وقالت الحملة في بيان: «نُطالب غوغل بإسقاط مشروع نيمبوس (Nimbus) على الفور، ووقف جميع الأنشطة التي تدعم أجندة الإبادة الجماعية للحكومة الإسرائيلية والجيش لتدمير غزة».
وقد طردت شركة غوغل 28 موظفًا من المشاركين في الاحتجاج على تعاونها مع كيان الاحتلال في هذا المشروع!
ما هو مشروع نيمبوس Nimbus؟
هو عقد “حوسبة سحابية” (cloud computing) بقيمة 1.2 مليار دولار، وقّعته شركتا «غوغل» و«أمازون» مع قوات وحكومة الاحتلال في أبريل عام 2021. يُوفّر المشروع البنية التحتية لتكنولوجيا، بما في ذلك أنظمة الذكاء الاصطناعي، تتيح المزيد من المراقبة، وجمع البيانات بشكل غير قانوني، وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.
التكنولوجيا التي طُوّرت في إطار مشروع «نيمبوس»، تجعل التمييز والتهجير المنهجي الذي يفرضه الجيش والحكومة الإسرائيلية أكثر خطورة وفتكًا بالفلسطينيين. وقد واجه المشروع معارضة داخلية قوية داخل شركتي «غوغل» و«أمازون» بُعيد الإعلان عنه. فاحتج العمّال على الصفقة بسبب تسبّبها بانتهاكات لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، بما في ذلك التهجير القسري والهجمات والقيود على الحقوق الأساسية. واتهمت الموظفة السابقة في «غوغل»، أرييل كورين، الشركة بتجاهل معايير أخلاقيات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، قائلًا: «حتى التواطؤ في الإبادة الجماعية لا يُشكّل عائقًا أمام سعي الشركة لتحقيق الربح بأي ثمن».