بالمال يمكن أكل البوظة في جهنم. مثل قديم يعتقد العدو الإسرائيلي أنه يمكنه الاستفادة منه في غزة. وقد ورد هذا «الرأي» في مقال للحاكم العسكري السابق لجنين وبيت لحم، والمُحاضر في الكلية الأكاديمية للجليل الغربي، موشيه إلعاد في صحيفة «معاريف» (19-3-2024).
كيف ذلك؟
بالنسبة لإلعاد تعيش مصر في أزمة اقتصادية. الكلفة المالية لاستعادة قدرتها في العقد المقبل لرعاية سكانّها تُقدّر بما بين 70 و80 مليار دولار. لذلك، يقول إلعاد إنّ «الرئيس المصري (عبدالفتاح) السيسي ينتظر هذه التبرعات لكن لا يوجد من يتبرع بها».
لكن ماذا سيفعل السيسي مقابل حصوله على هذا المبلغ؟ فصّل إلعاد في مقاله «خطّته»، بالقول إنّ الأردن «لم تتدخل أبدًا في المنطقة خارج حدودها، ولم تتدخل أيضًا في حالة غزة». أما السعودية «فتكتفي بالتبرعات المالية، مثل دول النفط والغاز الغنية الأخرى: الإمارات، البحرين وعُمان». بالنسبة لقطر، قال حاكم جنين وبيت لحم السابق «تعتبرها إسرائيل الصديق العدو. فهي تتوسط بين إسرائيل وحماس، التي لا تزال تتحكم بما يجري في القطاع. قطر تدعم حماس، الكيان الإرهابي، وتُقدّم ملجأ لمسؤوليها، وعليه فهي مستبعدة من حكم غزة».
نتيجة هذا المنطق، نستشفّ أنّ من سيحكم غزة في رايه ليس سوى السلطة الفلسطينية حليفة «إسرائيل»؟ «نعم»، أجاب العاد، مُضيفًا: «لكن ليس في الوقت الحالي. يتعين على السلطة أن تعمل بكدّ كي تُنظّم صفوفها، تُدرّب كتائبها الأمنية، تُهدّئ التوتر والعداء بين الفصائل المختلفة، وتغرس أنماطًا من الشفافية والنجاعة بين مؤسساتها. وفي البدء، أن تكف عن التحريض ضد إسرائيل».
إنطلاقًا من «شجرة التحالفات» هذه، لا يتبقى لـ”إسرائيل”، بحسب إلعاد، سوى مصر التي تُعاني من أزمة اقتصادية «يمكن حلّها بـ80 مليار دولار». اعتبر إلعاد أنّ حلّ هذه الأزمة سيُمثّل حافزًا لمصر. وبالنسبة للدول العربية الغنية، الدول الغربية، والمؤسسات الدولية «هذه الأموال عبارة عن “فراطة” كفيلة بأن تُقنع مصر لأن تقبل دخول تحدّي غزة، وإن كان لفترة محدودة تصل إلى ثلاث سنوات».
حسناً ماذا سيفعل السيسي في هذه الفترة؟ قال إلعاد إنّ «مصر تُسيطر مباشرةً على غزة، وتؤتمن على مراحل الإعمار الأولية، قبل إعادة تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية بعد تحسينها». وفاخر المحاضر في الكلية الأكاديمية في الجليل الغربي أنه طرح هذه الفكرة في مقابلاته على فضائيات عربية («سكاي نيوز» الإماراتية) وأنّها «لا تلقى الرفض، بل تُشكّل مادة للتفكير يجب النظر إليها بعناية».
وفصّل إلعاد دور مصر الحالي في الحرب الدائرة على قطاع غزة، شارحًا أنّه «منذ بداية المعركة، تلعب مصر لعبة مزدوجة. تحاول الإيحاء بوحدة الصفّ (اصطلاح في العالم العربي أقوى من كل المصالح)، وتُحذّر من عملية إسرائيلية في رفح، وتُطلق صرخات النجدة خوفًا من تدفّق جماهيري للغزيين إلى شمال سيناء. ومن جهة أخرى تعمل بتعاون كامل مع إسرائيل وتحافظ بشدة على التنسيق الأمني معها».
ووصف إلعاد السيسي بأنّه حاليًا «يستعرض العضلات، لكنّه يتذكّر جيدًا المساعدة التي قدّمتها له إسرائيل في حربه ضد داعش في شبه جزيرة سيناء».
رغم تفاؤل العاد بنجاح خطته، إلا أنّه يُدرك أنّها ستواجه اعتراضًا في الداخل الإسرائيلي. لكنه يقول إنّ وجود «احتلال (مصريّ) يتكلّم العربية أفضل مما فعلته كل الحكومات الأجنبية، ابتداء من حكومة إسرائيل في المناطق (التسمية الإسرائيلي للضفة الغربية المحتلة) والأمريكيين في العراق وأفغانستان، هاتين الحكومتين توجهتا إلى السكان بالعبرية المحلية أو بالانجليزية، بينما المصريون يتحدثون مع البدو بلغة شرق أوسطية معروفة».
لذلك وبما أنّ مصر «توّاقة لأنبوب أوكسجين اقتصادي، توجد لحظة مناسبة لمنح المصريين ما يحتاجونه جدا، وفي الوقت نفسه يُشكّل ربحًا للجميع: منحة غير مسبوقة بسخائها وكذلك ضمانة ألا ينتقل أي غزي إلى سيناء».