منذ بداية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر / تشرين الأول 2023، توقّع خبراء اقتصاديون أن يكون ثقل الحرب كبيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي. وبالفعل، أظهرت الأرقام التي نشرتها الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، وجود خسائر اقتصادية كبيرة، مقارنةً بالحروب السابقة التي خاضها العدّو. إلا أنّ ذلك ليس مُفاجئًا.
فالمؤشرات الاقتصادية السلبية في كيان الاحتلال تُعدّ «أمرًا طبيعيًا»، إذ إنّ الأسواق والتقديرات الاقتصادية تتأثّر بالأوضاع العامة في أي بلد، تحديدًا إذا كان يمرّ بحالةٍ من عدم الاستقرار، أكان نقديًا أو أمنيًا أو اجتماعيًا… فكيف إذا كان اللااستقرار هو نتيجة حرب شنّها كيان العدّو، وتُعتبر من الأطول والأخطر في «تاريخه».
بالإضافة إلى ذلك، الحديث عن «أزمة» اقتصادية ومالية، والتحذير من هروب رؤوس الأموال والشركات الناشئة من الأراضي المُحتلة، سابقٌ للحرب على غزّة. فمنذ بدء الخلافات حول التعديلات الهادفة إلى تقليص صلاحيات المحكمة العليا وإعادة هيكلة الجهاز القضائي، والتي نتجت عنها خلافات عميقة بين الأحزاب الإسرائيلية ومختلف القوى، ازداد التهويل والتخويف من تأثر الأوضاع الاقتصادية بالأزمة السياسية في الكيان.
اليوم، يبدو أنه لم يبقَ من تحذيرات حصول انهيار اقتصادي إلا القليل. كلّ المخاوف حول خسارة رؤوس الأموال، وانعكاس ذلك على الأسواق المالية وقيمة العملة قد انحسرت، فيبدو كما لو أنّ الوضع الاقتصادي هو «أصغر مصائب» كيان العدّو حاليًا.
يعود ذلك لأسباب عدّة:
- وقوف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ورأس المال العالمي إلى جانب الكيان المحتل، وجهوزيتهم لتقديم كافة أنواع الدعم، مالية كانت أو سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية. وقد انعكس هذا الأمر من خلال وقف نزيف رؤوس الأموال من السوق الإسرائيلية إلى الخارج. ومن خلال توفير تمويل إضافي عبر إصدار حكومة العدّو لسندات دين منذ أكتوبر / تشرين الأوّل.
- القوّة التي امتلكها المصرف المركزي الإسرائيلي، المتمثلة باحتياطات بالعملات الأجنبية تفوق 200 مليار دولار.
لماذا يهمنا هذا الأمر؟
لأن التعويل على انهيار اقتصادي في الكيان سيدفعه إلى وقف الحرب هو نوع من “بيع الوهم” للجمهور. فما يوقف الحرب هو صمود أهل غزة وقدرة المقاومة على منع العدو من تحقيق أهدافه، والدعم الذي يمكن ان تتلقاه غزة من الضفة الغربية، او من الجبهات اليمنية واللبنانية والعراقية، أو التغييرات الجذرية في السلوك العام في الأردن ومصر وسائر دول التطبيع العربية، كما في الدول الإسلامية الحليفة لـ”إسرائيل” أو التي تربطها بها علاقات جيدة.
خسائر «إسرائيل» بحسب المصرف المركزي الإسرائيلي منذ بداية الحرب:
– ستبلغ الخسائر في السنتين المُقبلتين نحو 198 مليار شيكل (53.4 مليار دولار)، أي نحو 10.2% من الناتج المحلّي الإجمالي.
– خسائر الحرب هي عبارة عن: الكلفة العسكرية المباشرة، تعويضات الشركات والأضرار التي لحقت بالأسر، خسارة عائدات الضرائب.
– التعويضات التي من المتوقّع أن تدفعها الحكومة مقابل الأضرار المباشرة وغير المباشرة والتي تُقدّر بنحو 47 مليار شيكل (6 مليارات دولار).
– يُقدّر حجم الخسارة في الضرائب المتوقّعة نحو 35 مليار شيكل (9.4 مليارات دولار).
-تُقدّر الخسارة بسبب الارتفاع في معدّل الفوائد على ديون الحكومة نحو 8 مليارات شيكل (2.15 مليار دولار)، ما يساهم في ارتفاع كلفة الفوائد على الدين العام.
– العجز في الميزانية العامّة سيرتفع إلى حوالي 3.7% عام 2023 و5% عام 2024. يُسدّد هذا العجز من خلال الاستدانة، ما يعني أنّ كلفة الدين العام سترتفع أيضًا.
– نسبة الدين إلى الناتج المحلي سترتفع إلى الـ63% تقريبًا عام 2023 و66% عام 2024، مقارنة بـ60.5% عام 2022.
حلول كلّ هذه المشاكل بالنسبة إلى «إسرائيل» مصدره الولايات المتحدة الأمريكية. إذ ينتظر كيان العدّو الحصول على المبالغ المالية من واشنطن، والتي لم تحظَ بموافقة الكونغرس حتى الآن، بسبب شدّ الحبال السياسي داخل الولايات المتحدة.
منذ بداية الحرب وحتى تاريخه:
- ارتفعت قيمة العملة، الشيكل، من 4.08 شيكل لكلّ دولار في بداية الحرب إلى 3.7 شيكل مقابل كل دولار حاليًا.
- اضطر المصرف المركزي الإسرائيلي للتدخّل في السوق من أجل الحفاظ على قيمة العملة.
- بحلول 7 نوفمبر / تشرين الثاني، كانت احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية قد انخفضت بقيمة تلامس 8 مليارات دولار، وقد استُخدمت هذه الاحتياطات للحفاظ على سعر صرف الشيكل.
- أمّن المصرف المركزي 15 مليار دولار من الاحتياطات. معظم ما استُخدم من احتياطات صُرف في شهر أكتوبر / تشرين الأوّل، في حين أنّه في شهر نوفمبر / تشرين الثاني لم يضخّ المصرف المركزي الإسرائيلي، بحسب الإعلام العبري، أكثر من 300 مليون دولار.
- في بداية الحرب أعلن المصرف المركزي توفير 30 مليار دولار لبيعها في السوق بهدف الحفاظ على سعر العملة الإسرائيلية.
ما تقدّم يعني أن حكام الكيان لا يخشون على اقتصادهم. خوفهم هو من النتائج الاستراتيجية للحرب، مع إمكان تضاعف تلك النتاج في حال عجز جيش الاحتلال عن تحقيق الأهداف التي وُضِعت للعدوان.
أمام هذا الواقع، يمكن اعتبار أن صمود المقاومة في غزة، وبروز قوى إقليمية مستعدة لدعم المقاومة في فلسطين، وتراجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة بنسبة 70 في المئة في الفترة الممتدة من من 7 أكتوبر إلى 29 نوفمبر، كلها نتائج أكثر خطرًا على الكيان من خسائر اقتصادية ومالية سيتولى الغرب تعويضها.