تتعمد حكومة الاحتلال، برئاسة بنيامين نتنياهو، تسريع عمليات الاستيطان بهدف ضم الضفة الغربية المحتلة، إلى ما يُسمى “أرض إسرائيل”. كذلك تواصل هذه الحكومة العمل الذي بدأته سابقاتها، والرامي إلى تغيير هوية القدس لجعلها “عاصمة أبدية لدولة إسرائيل”، فضلًا عن تغيير الواقع السكاني في النقب.
عمليات الاستيطان سجّلت أرقامًا قياسية في الأشهر الستة الأولى من العام 2023، رغم أن حكومة الاحتلال تعهّدت مرتين – في الأشهر الأخيرة – بوقف الأعمال الاستيطانية. كذلك زعمت الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع كيان الاحتلال بأن “الحوار” مع “إسرائيل” سيؤدي إلى وضع ضغوط عليها لوقف الاستيطان وحماية حقوق الفلسطينيين.
تسريع الاستيطان بالرغم من مزاعم التجميد
تعهدت سلطات الاحتلال “بتجميد الاستيطان”، مرتين على الأقل منذ بداية العام الجاري. المرة الأولى في اجتماع العقبة الأردنية مع السلطة الفلسطينية في شباط 2023، حيث أكدت “التزامها بوقف مناقشة إقامة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة 6 أشهر”.
التعهد الثاني صدر في اجتماع مماثل في مدينة شرم الشيخ في مصر في آذار 2023، حيث كرر الاحتلال “التزامه بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأي نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر”.
أما في الواقع، فقد شهد العام 2023 ارتفاعًا قياسيًا في التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، فسجّلت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي أكبر مشروع استيطاني منذ العام 2012. ومُنح وزير المالية بتسلئيل سموترتيش مسؤولية التخطيط وترخيص البناء الاستيطاني، باعتباره الداعم الأكبر لحركة الاستيطان في الأراضي المحتلة، إذ كان يخطط لإنشاء “وزارة الاستيطان” لتعمل كل الوزارات تحت إمرتها بصورة واضحة.
سموتريتش مسؤول قانون “اختصار مراحل الاستيطان”
عدّل مجلس الوزراء الإسرائيلي في اجتماعه يوم 19-6-2023 قرارًا صادرًا عام 1996، فنقل جزءًا من صلاحيات الترخيص والتخطيط الاستيطاني من وزير الدفاع (يوآف غالانت) إلى وزير المالية (بتسلئيل سموتريتش). وتم تقليص المراحل المطلوبة لإقرار خطط البناء الاستيطاني في الضفة الغربية.
بات سموتريتش قادرًا على منح الموافقة على مشاريع استيطانية، من دون الحاجة لموافقة وزير الدفاع على جميع مراحل المشاريع. وهذا الإجراء يعني نقل جزء من الصلاحيات في الضفة الغربية المحتلة من الإدارة العسكرية إلى الإدارة المدنية، أي التمهيد للتعامل مع الضفة الغربية بصفتها “أرضاً إسرائيلية” لا أرضاً محتلة.
في حزيران 2023، أصدرت حكومة الاحتلال قرارًا يختصر مراحل المصادقة على الاستيطان في الضفة الغربية من 6 مراحل إلى مرحلتين فقط. يسمح القرار ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية من دون الحاجة إلى موافقة حكومية، بل تُحصر الموافقة بقرار من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
تشريع البؤر غير القانونية
تتعاون حكومة الاحتلال الإسرائيلي مع المستوطنين لتوسيع رقعة الأراضي التي تتم سرقتها من الشعب الفلسطيني. يستولي المستوطنون على أرض، ويقيمون عليها بؤرة استيطانية. في المراحل الأولى، تقول السلطات الإسرائيلية إن هذه البؤرة غير شرعية يجب إخلاؤها. لاحقًا، تحوّل الحكومة نفسها البؤرة الاستيطانية إلى مستوطنة تصفها بـ””القانونية”.
يؤدي هذا السلوك إلى زيادة مساحة الأراضي الفلسطينية التي تستولي عليها “إسرائيل”، وزيادة عدد المستوطنات، وتاليًا، عدد الوحدات الاستيطانية وعدد الغزاة القاطنين فيها، في الضفة الغربية المحتلة.
منح المجلس الوزاري المصغر (الكابنيت) الاعتراف “القانوني” لـ9 بؤر استيطانية – من أصل 77 بؤرة استيطانية طالب بشرعنتها وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير – ليتم التخطيط لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية فيها وإمدادها بالماء والكهرباء وتوفير البنى التحتية لها.
قانون فك الارتباط
في شباط 2023، أصدر الكنيست قانون إلغاء فك الارتباط لعام 2005. فقبل 13 عامًا، صدر قانون فك الارتباط الذي تم بموجبه الانسحاب من قطاع غزة و4 مستوطنات في شمال الضفة الغربية. لكن إلغاء القانون في العام الجاري يسمح بالعودة إلى المستوطنات الأربع، وهي: حومش، سانور، غنيم، وكاديم.
بعد شهرين من إلغاء قانون فك الارتباط، وقّع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، يهودا فوكس، قرارًا يسمح للمستوطنين بالتواجد في مستوطنة حومش.
المحاكم الإسرائيلية شريك “قانوني” في الاستيطان
رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية قرار إخلاء معهد ديني يهودي في مستوطنة “حومش” في آب 2023، برفضها طلب إخلاء البؤرة، مما يمنحها “شرعية قانونية” إسرائيلية، لتستوعب – مع مستوطنة كاديم – أكثر من 15 ألف مستوطن بحسب خطة “المليون مستوطن حتى عام 2050” التي تقدم بها رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات “السامرة” في نابلس، بذريعة حل مشكلة الاكتظاظ السكاني وتعزيز أمن “إسرائيل”.
في سياق قرارات المحاكم الإسرائيلية لتسريع وتيرة الاستيطان، صادقت إحدى المحاكم على دعاوى “سلطة أراضي إسرائيل” لإخلاء بلدة رأس جرابة في النقب بالكامل في آذار 2024، بهدف توسيع مستوطنة ديمونا وإقامة منطقة استيطانية جديدة.
حاليًا، يبلغ عدد المستوطنين 506 آلاف مستوطن في الضفة و230 ألف مستوطن في القدس الشرقية.
الأعلى منذ العام 2012
ارتفعت وتيرة الاستيطان منذ عام 2012 لتصل إلى أعلى مستوى لها عام 2023.
عام 2012، إقرار 7325 وحدة استيطانية،
5749 وحدة استيطانية عام 2013،
و2472 وحدة عام 2014.
أما عام 2015، فأقِرت 1245 وحدة استيطانية،
2292 وحدة استيطانية عام 2016،
ثم ازدادت ثلاثة أضعاف عام 2017 لتصل إلى 6742 وحدة استيطانية.
وعام 2018، وصلت إلى 5618 وحدة استيطانية،
أما عام 2019 وصلت إلى 8457 وحدة،
أما بين عامي 2020-2022، فارتفع عددها إلى 12،159 وحدة عام 2020 وانخفضت عام 2021 إلى 3645 وحدة استيطانية ومن ثم 4427 وحدة عام 2022.
إلا أن عام 2023 شهد تحولًا هائلًا في عدد المستوطنات. ففي الأشهر الستة الأولى من العام، أقرّت سلطات الاحتلال إقامة 14 ألف وحدة استيطانية، 10 آلاف منها وافق عليها المجلس الأعلى للتخطيط في الضفة الغربية. وهذا رقم قياسي كأكبر عدد من الوحدات السكنية الموافق عليها في النصف الأول من العام، مقارنة بأي نصف عام آخر طوال العقد الماضي.
كذلك فإن هذا الرقم هو الأعلى مقارنة بكل السنوات التي تلت توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993.