سان فرانسيسكو، شيكاغو، برلينغتون، ريتشموند سيتي، سياتل، ديترويت، أتلانتا، ويلمنغتون، ديربورن، هامترامك، مينيابوليس، سومرفيل، لونغ بيتش، كليفلاند… مُدن أمريكية كُبرى صوّتت على (أو بحثت في) قرارات تتبنّى وقف إطلاق النار في غزة. اتّخذت المجالس المحلية في هذه المُدن خطواتٍ مُتقدمة على مركز القرار في واشنطن، حيث لا يزال البيت الأبيض، ورغم سقوط أكثر من 100 ألف شهيد وجريح، يرفع بطاقة النقض في وجه كلّ قرارات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار وإدانة «إسرائيل». الحراك الشعبي والرسمي داخل المُدن الأمريكية لم يُعجب اللوبيات الصهيونية، فأطلقت حملة إعلامية وسياسية لشيطنة قرارات مجالس المُدن، دائمًا عبر استخدام حجّة «مُعاداة السامية»، واتهام أعضاء المجالس بأنّهم مُسيّرون من قبل «أشخاص يرتدون الكوفية».
ماذا يجري في المُدن الأمريكية؟
يُعتبر «وادي السيليكون» في ولاية كاليفورنيا «حاضن» الشركات العملاقة وتحديدًا في مجال التكنولوجيا والأمن السيبراني، التي تملك تأثيرًا على مراكز القرار داخل الولايات المتحدة. كما أنّ هذا المكان يُعدّ المقرّ الرئيسي لشركات ناشئة «إسرائيلية»، ومنه «استوحى» الإسرائيليون إنشاء «وادي سيليكون» في الأراضي المُحتلة. شركات «وادي السيليكون» الأمريكي لم تتوانَ منذ عملية «طوفان الأقصى» عن توفير كلّ أنواع الدعم لكيان الاحتلال، لاستمرار حربه على غزة. لذلك، ليس أمرًا عابرًا أن تظهر في ضواحي مدينة سان فرانسيسكو، المجاورة لـ”الوادي”، كتابات على الجدران تصف الصهيونية بالـ«إرهاب» وتعد بأنّ «غزة ستتحرّر».
تكرّ سبحة البلدات والمُدن الأمريكية التي تُحاول تمرير قرارات تتبنّى وقف إطلاق النار في غزة. صحيحٌ أنّها قرارات غير مُلزمة، ولكنّها كانت كافية لإثارة امتعاض اللوبيات اليهودية، المؤيدة للصهيونية، وشنّها حملة ضغط على أعضاء مجالس المُدن لمنعهم من التصويت على هذه القرارات. كما أنّها عملت على «شيطنة» المُتقدمين بهذه الاقتراحات، حتى ولو كانوا يهودَا. في سان فرانسيسكو، تعرّض عضو مجلس المُشرفين، دين بريستون لحملة ترهيب كونه «اليهودي الذي تقدّم باقتراح وقف إطلاق النار»، وتمّ تبنّيه.
ردّة الفعل الصهيونية
بدأت الماكينة الدعائية الصهيونية تعمل ضدّ مجالس المدن التي تبنّت قرارات وقف إطلاق النار، أو التي تبحث بها، عبر تصويرهم مُسيرّين من قبل «مجموعة ترتدي الكوفية وتنتقل من مدينة إلى أخرى، تجتمع بأعضاء المجالس لمحاولة إقناعهم بوضع المقترحات المثيرة للجدل على جدول الأعمال». ويُركّز اللوبي الصهيوني على فكرتين: أولًا، أنّ البحث بهكذا أمور ليس من صلاحية مجالس المدينة المُنتخبة لإدارة شؤون المدينة. علمًا أنّه خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، صوّتت هذه المجالس لقرارات مماثلة ضدّ روسيا، وقطع بعضها العلاقات مع البلدات الروسية. ثانيًا، أنّ التحركات الداعية لوقف إطلاق النار تقودها حركات إسلامية «تهتف ضدّ إسرائيل وتُعبّر عن دعمها للإرهابيين». إعادة تحريك مشاعر «الاسلاموفوبيا» تزامنت أيضًا مع التحريض على اليهود الرافضين للحرب، كمجموعة «الصوت اليهودي من أجل السلام – (JVP)».
العين على الانتخابات الرئاسية
قد لا يكون لقرارات وقف إطلاق النار الصادرة عن المجالس المحلية تأثير على المستوى الوطني، ولكنّها تعكس التباعد الواسع وحالة التوتر بين دوائر القرار السياسي والرأي العام. مدن كبيرة وأساسية تبنّت قرارات وقف إطلاق النار، وأخرى تشهد تحركات وتظاهرات واسعة مُندّدة باستمرار الحرب ودعم البيت الأبيض اللامحدود لـ«إسرائيل». فهل سيكون لهذا المشهد تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟