يوم 20-12-2023، نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية مقالًا كشفت فيه عن وجود مسعى سعودي – فرنسي مشترك لتقديم اقتراح لما تسمّيه الدولتان حلًّا للحرب الدائرة في غزة.
هذا “الحل” يتضمّن ترحيل القيادات العسكرية والسياسية لفصائل المقاومة، على رأسها حركة المقاومة الإسلامية – حماس، من قطاع غزة إلى الجزائر.
وعلم موقعنا بأن هذا الاقتراح لم يقتصر على فرنسا والسعودية، إذ قالت مصادر فصائل المقاومة لـ”الكرمل” إن تركيا أيضاً قدّمت لحماس العرض نفسه: ترحيل القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة من غزة إلى الجزائر، على أن يكون أول المرحّلين قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، وقائد أركان كتائب الشهيد عزالدين القسام، الفاتح محمد الضيف. وأكّدت المصادر أن المقاومة رفضت العرض التركي، مشدّدة على أن خيار الرحيل عن قطاع غزة غير مطروح لا لقيادة المقاومة ولا لأي مجاهد من مجاهديها.
“وثيقة سرية”
اطلعت “الكرمل” على وثيقة سرية تضمّنت محضر اجتماع بين مديرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، آن غريو، وبين مسؤول سعودي في الرياض، مساء يوم الأحد 19 نوفمبر الماضي. يشير المحضر إلى أن فرنسا، كممثل للكتلة الاوروبية، تسعى لبناء رؤية مشتركة مع المملكة العربية السعودية كممثل للكتلة العربية والاسلامية، تمهد الطريق لبحث أفق الحل للحرب الدائرة في قطاع غزة .
اللقاء السعودي الفرنسي نتجت عنه المبادرة الآتية (النص بحسب ما ورد في الوثيقة):
- خروج القيادات العسكرية والأمنية لحماس من قطاع غزة بالتوازي مع تقديم ضمانات للعفو الشامل عنهم، مع توفير البديل الفوري للجوء هذه القيادات ودولة الاستضافة المتوقعة. ومن بين الاقتراحات تتضح دولة الجزائر كأكثر البدائل قابلية للاستضافة نتيجة لجملة من العوامل المرتبطة بعلاقات الجزائر مع داعمي حركة حماس الرئيسيين (قطر وإيران) أو قدرة الجزائر الأمنية التي تتيح لها ضبط نشاطات هذه القيادات على النحو المطلوب.
- التوفيق بين “آراء الطرفين” حول عدد السجناء الفلسطينيين المحتمل إطلاق سراحهم، بحيث يتم اقتراح ما قوامه 5000 سجين كبديل عن مطلب حركة حماس المتضمن لـ10 آلاف سجين والذي ترفضه إسرائيل.
- البحث عن سبل اعتماد قوات عربية لحفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة وإدارة القطاع كأحد البدائل المتوقعة لإدارة مرحلة ما بعد الحرب، على أن تكون ورقة تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية من الأوراق التي يمكن استخدامها للضغط نحو تحقيق اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وضمان التوافق الدولي حوله.
- بحث خيار تأسيس مجلس انتقالي مشترك بين الحركات الفلسطينية الرئيسية (فتح – حماس – الجهاد) تؤول إليه إمكانية إدارة مرحلة انتقالية قوامها 4 سنوات، خلالها يتم التمهيد والاعداد لإنتخابات رئاسية وبرلمانية تكون مرجعية لتوحيد الصف الفلسطيني والمؤسسات السياسية التي ستمثله مستقبلًا، بالرغم مما يمكن أن يكون من معارضة أمريكية واسرائيلية من مشاركة القيادة السياسية لحماس والجهاد في مثل هذا المجلس.
- وضع رؤية شاملة لكيفية ادارة ملف “إعادة الإعمار” قابلة للتطبيق ومتوافق حولها بين كل الأطراف ذات الشأن سواء فيما تعلق بالدول المقترحة لرعاية هذه الرؤية أو الأطراف الممولة لها وحتمية شراكة وإشراف المنظمات الدولية ذات الشأن في ذلك.
(نهاية الاقتباس من الوثيقة)
فرنسا تضع نصب عينيها ما جرى في بيروت في العام 1982، عندما خرج مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسهم ياسر عرفات، من العاصمة اللبنانية، وتوجهوا الى تونس واليمن. وتعتقد باريس أنها قادرة على تكرار السيناريو نفسه مع قيادات “حماس” في غزة.
الاقتراح الفرنسي – السعودي اختار دولة الجزائر كبلد لاستقبال قيادات المقاومة، بهدف إبعاد تلك القيادات عن الساحة الفلسطينية. ففرنسا لم تختر دول الطوق (لبنان، سوريا، الأردن، مصر) لترحيل تلك القيادات إليها، بل الجزائر التي تبعد قرابة ٣ الاف كيلو متر عن غزة. لكن ما فات فرنسا ايضاً أن قادة منظمة التحرير استطاعوا في العام 1987 إدارة الانتفاضة الأولى من تونس. ومن يُرد المقاومة لن تقف الحدود والعوائق حاجزا أمامه.
ما فات المسؤولين الفرنسيين والسعوديين الذين ناقشوا هذه “المبادرة” أن مجاهدي “كتائب القسام” (الذراع العسكرية لحماس) و”سرايا القدس” (الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي) وقيادات المقاومة في قطاع غزة، هم اليوم على عكس عرفات 1982، يقاتلون على أرضهم وبين ناسهم، وليسوا في وضع منظمة التحرير مطلع ثمانينات القرن الماضي، عندما كانت الأخيرة تقاتل من بلد آخر. كما أن البيئة الحاضنة للفصائل الفلسطينية اليوم مؤيدة لخيار المقاومة على عكس ما عاشه عرفات في بيروت عندما كان جزء من اللبنانيين رافضًا لوجوده على أرضهم، وصولا إلى طلب حلفائه منه الموافقة على الخروج من بيروت بعد حصار إسرائيلي استمر لأشهر للعاصمة اللبنانية.
الاقتراح التركي
المبادرة الفرنسية – السعودية قدمتها تركيا أيضا لحركة حماس، إلا أن الأخيرة أكدت لكل من التقاها رفضها هذا الخيار، معلقة بأن المقاومة تقاتل على أرضها وبين ناسها. وما يبدو لافتّا في كل هذه المبادرات هو التعويل الأوروبي والأمريكي على الدور السعودي في اليوم الذي يلي وقف الحرب.