أصرّ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا على معارضة تهجير سكّان غزة إلى شبه جزيرة سيناء. تشديدًا على «نواياه»، ضاعف عدد القوات المسلحة المصرية على الحدود، وبنى جدرانًا جديدة محاطة بالأسلاك الشائكة في بعض الأقسام كإجراء إضافي لتشديد الأمن على السياج الفولاذي عند الحدود مع قطاع غزة… ورغم ذلك لم تُلغَ فكرة التهجير. فكلّ هذه الإجراءات التي نفّذها السيسي لم تكن إلا «عمليات تجميل» شكلية، أما في المضمون فلم يكن الرجل يومًا مُعارضًا لتهجير الفلسطينيين. ويبدو أنه كان يبحث عن الثمن الذي سيتلقاه مقابل الموافقة على تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
تجلّى ذلك أخيراً مع بروز «شرط» جديد من الدولة المصرية: أن يتمّ التهجير بتعاون مصري، إلى منطقة أمنية معزولة لاستقبال الفلسطينيين بإشراف رجل الأعمال، إبراهيم العرجاني، المُقرّب من النظام المصري.
فهل باع السيسي غزة وقبل بصفقة التهجير؟
منطقة أمنية معزولة
نشرت مؤسّسة سيناء لحقوق الإنسان تقريرًا يوم الأربعاء 14 فبراير عن أعمال بناء شرقي سيناء لإنشاء منطقة أمنية معزولة بالجدران الاسمنتية على مساحة 13 كيلومترًا مربعًا، هُدم منها نحو ميلين مربعين (5.18 كيلومترا مربعا) بين 5 و14 فبراير الحالي، بحسب تحليل صور الأقمار الصناعية في صحيفة «ذي بوست» الأمريكية.
حدود المنطقة العازلة
تمتد المنطقة المصرية العازلة من نقطة في قرية قوز أبو وعد، جنوب مدينة رفح، ونقطة على خط الحدود الدولية، جنوب معبر كرم أبو سالم، حتى الشمال بين قرية الماسورة غربًا ونقطة على خط الحدود الدولية جنوب معبر رفح.
المنطقة العازلة ستكون مُحاطة بأسوار بارتفاع 7 أمتار، وقادرة على استيعاب ما يقارب 100 ألف شخص.
تقوم المنطقة فوق منازل السكان الأصليين التي دمّرتها السلطات المصرية، بعد ما عُرف بـ«الحرب على الإرهاب» عامي 2013 و2014. اللافت أنّ عمليات البناء في هذه المنطقة تجري بوتيرة سريعة، ومن المتوقع ألا يتجاوز الوقت المُخصّص لها 10 أيام.
منطقة أخرى بإشراف ميليشيا العرجاني؟
في تقرير آخر نشرته مؤسّسة سيناء لحقوق الإنسان، رُصدت أعمال هندسية مجهولة يوم الاثنين 12 يناير، مصدرها هذه المرة رجل الأعمال المصري، إبراهيم العرجاني. صاحب مجموعة «العرجاني»، حصل على العقد الحكومي للبدء في تشييد خمسة تجمّعات تنموية تسلّمتها شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء (التابعة لمجموعة العرجاني)، بتكليف من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية.
وبحسب ما ورد في تقرير «مؤسّسة سيناء»، تواجد العرجاني مع عدد من ضباط جهاز المخابرات الحربية، وعناصر مُسلّحة تابعة لمليشيا «فرسان الهيثم» (التابعة لاتّحاد قبائل سيناء ويرأسه العرجاني)، ومقاولين محليين، بالقرب من منطقة «قوز أبو رعد»، جنوب مدينة رفح بوجود كمية كبيرة من المعدات والجرارات.
يُذكر أنّ العرجاني يمتلك أيضًا شركة «يا هلا» التابعة للنظام المصري، وهي تتولّى مهمة قبض أموال من الفلسطينيين، لقاء السماح لهم بالخروج من قطاع غزّة. وتخضع كشوفات سفر الفلسطينيين لتفتيش دقيق من الجيش الإسرائيلي ليُقرّر من المسموح أو الممنوع له بالسفر.
بوادر الصفقة
بناء منطقة مصرية عازلة على الحدود مع قطاع غزّة من المفترض أن تنتهي بغضون 10 أيام، أو أقل، إضافةً إلى احتمال تشييد منطقة أخرى جنوب مدينة رفح، مع ما يظهر من أداء سياسي ودبلوماسي للنظام المصري، كلّها إشارات تدلّ على أنّ السيسي يسير فعلًا على درب قبض ثمن تهجير سكّان غزة إلى سيناء، من «إسرائيل» والولايات المتحدة الأمريكية.
وسبق للسلطات المصرية أن أبلغت عددًا من الجهات العربية والغربية بأنها هدّدت “إسرائيل” بتجميد اتفاقية السلام معها في حال هاجم جيش الاحتلال الشريط الحدودي بين غزة ومصر، حيث يتركز نحو 1.5 مليون فلسطيني مهجرين من مختلف مناطق قطاع غزة. لكن التصريحات الأخيرة (17-2-2024) لوزير الخارجية المصري سامح شكري عن وجوب “محاسبة من موّل حركة حماس”، تكشف أن النظام المصري يشارك – ميدانيًا (من خلال الأعمال الهندسية في سيناء) وسياسيًا (تصريحات شكري) – في الضغوط على المقاومة الفلسطينية للقبول بهدنة بشروط إسرائيلية، ومن دون تلبية الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني.