تخيّل أنك فلسطيني في الضفة، تعيش في قرية تحيط بها طبيعة جميلة وأراض شاسعة. ثم، تستيقظ ذات يوم على صوت مستوطن يرعى أغنامه وأبقاره في أرضك. ويكون ذلك كفيلاً بأن تصبح الأرض ملكًا له، بمساندة جيش الاحتلال الإسرائيلي وقوات أمنه. ثم يبني المستوطن مزرعة. يزداد عدد المستوطنين ويطلبون مد المياه والكهرباء من سلطة الاحتلال. هكذا، فجأة، يتحول المستوطن إلى بؤرة استيطانية جديدة تصل حدودها إلى أبعد مكان وصلت إليه الأغنام. هكذا، يضم الاحتلال أراضٍ جديدة إليه عبر ما يسمى سياسة “الاستيطان الرعوي”.
كيف تصبح الأرض ملكًا لـ”الدولة”؟
بعد توقيع اتفاق أوسلو بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، قسمت إسرائيل الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث مناطق: المنطقة أ والمنطقة ب والمنطقة ج.
المنطقة أ: تشكل 18% من الضفة (السيطرة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية)
المنطقة ب: تشكل 21% من أراضي الضفة الغربية (السيطرة المدنية للسلطة والأمنية لكيان الاحتلال)
أما المنطقة ج فتشكل 61% من أراضي الضفة الغربية المحتلة (السيطرة الأمنية والمدنية فيها للكيان الصهيوني)
بالنسبة لـ”إسرائيل”، لا قيمة لهذه التقسيمات. فكل الضفة الغربية مستباحة أمام المستوطنين وجيش الاحتلال. وفي كل يوم، يخترع الكيان أساليب جديدة لسرقة أرض الشعب الفلسطيني، آخرها ما يسمى “الاستيطان الرعوي” أو “المزارع الرعوية”، متذرعة بـ”قانون إسرائيلي” يقول إن أي أرض لا يتم استصلاحها طيلة 10 سنوات تصبح “ملكاً للدولة”.
تدفع مؤسسات وجمعيات إسرائيلية بمستوطنين يأتون مع بضعة رؤوس من الماشية ليحتلوا بها أراضٍ شاسعة في الضفة.
استيطان عبر التحايل
الاستيطان الرعوي يجري عبر السيطرة على الأراضي المنتشرة بين البلدات الفلسطينية، من خلال رعي المواشي أو الزراعة أو إرهاب السكان الفلسطينيين وحتى قطع المياه عنهم وعن مواشيهم.
في السابع من آب الماضي، نشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، تقريراً أكدت فيه أكد أن الاستيطان الرعوي هو أسلوب طوره المستوطنون من أجل الاستيلاء على المناطق المصنفة “ج”، والتي تُشكل 61% من إجمالي أراضي الضفة.
في ظاهر الأمر، يبدو المستوطنون مجرد رعاة. لكنهم في الواقع ينتمون إلى جمعيات ومؤسسات تسعى للسيطرة على أراضي الضفة. إذ وفقاً لتقرير نشرته مجلة “معاً” التي تصدر عن مركز العمل التنموي في فلسطين، في أيار الماضي، كُشف أن السكرتير العام لحركة “أمانا” الاستيطانية زئيف حيفر، يقود مشروعاً لشرعنة المزارع الاستيطانية ويمارس ضغوطاً من أجل زيادة عددها. وأكد لوسائل الإعلام أهمية هذه المزارع بقوله: “المزارع الاستيطانية الرعوية وسيلة أكثر نجاعة من البؤر التي تعتمد البناء الاستيطاني التقليدي. فبعد مضي 50 سنة استطعنا السيطرة على 100 كيلو متر مربع من مساحة الضفة الغربية، بينما سيطرت المزارع الرعوية الاستيطانية في فترة قصيرة على أكثر من ضعفي هذه المساحة”. وأكد زئيف حيفر أن المستوطنين “يخططون لإنشاء مزيدٍ من البؤر الاستيطانية المخصصة لرعاة الأغنام والأبقار في المناطق جيم”.
3 اعتداءات يوميًا
تقرير نشرته وكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة (21-9-2023) ، أفاد بأنه منذ مطلع العام 2023، حصل ما معدله 3 اعتداءات يومية من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين. أما في العام 2022، فكان المعدّل اعتداءان يوميًا، فيما سجّل العام 2021 اعتداءً واحدًا يوميًا في المتوسط. أي أنها تزداد بشكل ممنهج. والاعتداءات الأكثر شيوعاً منذ مطلع العام الحالي كانت منع الوصول إلى الأراضي التي يملكها الفلسطينيون، والاعتداءات الجسدية والتهديدات. وبحسب التقرير، نزح 1100 فلسطيني من بلداتهم في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023.